مراجعة شاملة و انطباع شخصي عن أنمي: الخيميائي المعدني الكامل (الأخوية) Fullmetal Alchemist Brotherhood
❞ لن تستطيع الحصول على تمثال للإله إلا إذا كانت لديك الأحجار المناسبة لتشييده. لن تستطيع خلق المادة إلا بالمادة، فلا يمكنك إيجاد الواحد من الصفر❝
فمنذ أن جال بالعقل البشري هاجس مُلّح لتقصي الحقائق و شعور قاتل بالجهل، بزغت العلوم. و باختلاف العقول، اختلفت هي. و بناء على هذا الاختلاف، تشعبت فروعها و تشابكت. فأهل البيولوجيا يقولون نحن الحياة، و مُفكروا الفيزياء يتشدقون أن بدونها لا يمكنك تسيير أي شيء على نظام يُعطيك نتائج تبغاها، و "صّناع" الكيمياء لا يعبأون بهم، لأن بدون علمهم لن تكون لشتى العلوم قيمة. فالحياة مادة، و المادة عناصر، و العناصر كيمياء!
الكيمياء اليوم تستطيع التلاعب بأي شيء يقع في حدود العناصر الأرضية المعروفة، تُحيل السقيم صحيحًا، و تُعِلُّ من ليس به داء. تخالها أحد أسحار الأقدمين، تسلب لُبّك قبل قلبك، تخلق لك الحياة، مما يزج بيأسك بعيدًا، جاعلة من أمانيك جنيّا مارقًا بين فيالق من جنودٍ ذوي بزّات مُرصعة بالكربون اللامع الممتزج بأشد العناصر ندرة و سحرًا. لكن ماذا إذا تخطت حواجز المنطق و تلاعبت بالمادة على نطاق أوسع، في سبيل تحقيق غاية ذات مردود مزجيّ بين الروح و المادة؟ هنا نتحدث..
أن تغلق كتابًا يعني أن تبتر جهلًا و تخلق معرفة. و أقوى المعارف لا تأتي إلا بالألم، و أشد الآلام، آلام الفقد.
الصداقة الجديدة، فقد. تثبيط العزائم، فقد. الخلق، فقد..
الأولى فقد لشخص كان مُعتليّا في قلبك منزلة الجديد، و الثاني فقد لجذوة الأمل، و الأخير فناء لحدود كانت تُلجم فكرك. إدوارك إلريك، الكيميائي المعدني الكامل، قد عاصر كل أنواع الفقد، مبتغيًا تحقيق المستحيل.
الإله يخلق، لماذا لا يمكنني ذلك؟ لماذا يتحتم على أن أبصر من أحب يُصرعون أمام ناظريّ؟!
كيف يمكن أن يعصف بنا الإله بهذا الشكل!، الحياة أثمن من أن تُنزع تاركة قرنائها ينتحبون لفقدانها تحت لواء سنة الحياة.. أفتقد دفء أمي، لماذا أخذتها؟ أبسبب أبي؟، أم تُريد برهنة أنك من تُشيد هذا الصرح و وحدك من تُحيله رمادًا بقسوة؟ جاعلًا من بقيّة البشر رهائن لديك تنتزع كينونتهم كلما شعرت بالملل. سأستعيدها من براثنك، سأشعر بدفءها مجددًا، و لن تتركني أبدًا بعد ذلك. كان هذا مبدأه، و بناء عليه جَلب المكونات و رسم الدائرة، و من هنا بدأت الأحداث.
التحويل البشري، المحرمات، التبادل المتكافئ، الحقيقة. الكثير و الكثير من المصطلحات ولجت عقل إدوارد إلريك الصغير بشكلٍ خلق عوالم داخل أخرى حتى لا تميز الواقع فيهم من الخيال. نجح التحويل، و خُلق شيء ما نازعت نفس إدوارد نفسها بأن أمه ستسكنه. لكن لم يحدث، فقد تجسدت كل أحقاده، آماله البائسة، و مهارته الفطرية في صورة كائنٍ بشع أظهر أبغض أوجه الخيمياء. في خضم هذا تجلى التبادل المتكافئ في قدم مفقودة و أخ مُختفٍ. فذاب ألفُنس تاركًا خلفه بعض الملابس التي دلّت على كونه مشاركًا في كسر المحرمات يومًا ما...
ماذا حدث بعد ذلك؟ هل عاد الأخ و أُعيدت الأطراف إلى مكامنها و عاش الجميع بسعادة؟ لا تتعجل يا عزيزي، فأربعة و ستون حلقة كفيلة بكشف ذلك الغموض...
الكاتب خلق عالمًا مزج فيه العلم باللاعلم في لوحة تكاد تُجزم أن كل شيء فيها يمكن أن يصبح حقيقة يومًا ما. كسر النمط المعهود عن أنميات الشونين ذات الطابع التصاعدي في القوى. فالأبطال من البداية للنهاية ذوي قوى ثابتة قد تتغير تبعًا للأحداث بمقدار ضئيل لا يطغى على كون التتابع الزمني سر متابعتك للعمل الفني. فلم يُمحور لب القضية حول شخص، بل شخصين. و ليس أي شخصين. واحد من لحم و آلة. و الآخر من حديد مُصطك..
فجعل بذلك الأول يشعر بمعاناة بالثاني، و الثاني يحمل بداخله نوازع متضاربة بين تحمل عبء الخطيئة، و الرغبة في قذفها لغيره.
أسطورة الشاب الذي فقد جناحيه و هوى:
”العلماء ليسوا بحاجة إلى الإله، فهم بالفعل في أقرب منزلة إليه“
قالها إدوارد إلريك في خصم أحداث الحلقة الثالثة..
لكن هذا تناقضَ بشكلٍ فج مع آخر عبارات إدوارد في نهاية هذا المشهد تحديدًا، فقد تحدث عن قصة إيكاروس التي تنتمي للميثولوجيا الإغريقية. فكان هناك ملك يُدعى مينوس، قرر حبس إيكاروس و والده في برجٍ عالٍ. فحاول الأخير صنع ما قد يمنح ولده الحرية، فصنع له جناحين من ريش بعض الطيور، ثم ثبّتهم بالشمع. و في النهاية نجح إيكاروس بالتحليق! لكن ولج روحه سحر الحرية، و تناسى نصيحة والده. فقرر التحليق عاليًا و عاليًا نحو الشمس، فذابت بوابته للحرية و هوى.
- فيديو المشهد من هنا:
https://www.facebook.com/ahmedsamysaaed/videos/540632796134564/
~ الأخوان إلريك قررا التحليق عاليًا بالخيمياء، حاولا إعادة أمهما المُتوفاة إلى الحياة. فخسرا بذلك ما يجعلهما بشرًا. انتهكا المحرمات، فانتهكتهما.
_______________________________________________________
_______________________________________________________
_______________________________________________________
و الآن نأتي للعناصر التقييمية للعمل الفني:
- إدوارد إلريك: قد تخاله وغدًا متنمرًا، فظًّا، و متمردًا في بعض الأحيان. لكن يحمل خلف طيات هذا الرداء الأحمر كيانًا ماديّا ينطوى على الكثير من الروحانيات. روحه تنازع جسده الغير متجانس، تشعر بالبغض من نفسها لكونها سببًا في آلام الآخرين تارة، و تلعن الأحوال التي آلت بها إلى ما هي عليه أخرى. من أكثر الشخصيات تصنعًا للقوة و البأس كي تُخفي بؤسًا لا يعلمه إلا قليلون يستطيعون رؤية ما بداخلها، الحقيقة الفعلية التي تقبع بداخلها
- ألفُنس إلريك: يحمل كلا الأمل و اليأس، يُعتبر الشخصية المُثلى لإبراز متناقضات الكاتب، فعمد في بعض المشاهد إلى استغلال وضعه كآلة لا تشعر، لا تأكل، لا تتعب، لا تنام. و وضع أخوه الذي يفعل كل ذلك، بل و يحوز على ما لا يسعه الحصول عليه. لكن لا يسعني إذا أن أقول أن تلك الشخصية لعملة ذهبية كان يمكن للكاتب أن يصوغها بشكلٍ أبرع من ذلك.
- روي ماستانغ: أو خيميائي الشعلة، يثقل كاهله الكثير من الأمل الممزوج بدماء نصال الماضي التي لم تجف من أعلى جسده بعد. طموحه للأعالي كانت خطيئة حارب أصحابها، غير عابئ إذا كانت ستقذفه لأعلى أو تخسفه لأسفل. فبالرغم من أن دوره الحقيقي يبدأ من منتصف الاحداث، فقد جذب الأنظار بسرعة. و من وجهة نظري هذه أفضل شخصية تمكن من نقاط عرضها الكاتب.
- الهومنكلس: أو الكائن الصغير في القارورة. قد نبذه المشاهدون و صنفوه على أنه مجرد شخصية غير بشرية تحقد على البشر و تبغى كل شيء دون مقابل، لكن لو نظرنا قليلًا سنجد أن الذي نعتناه بالغير بشري، يُحاكي البشر تمامًا! الغيرة، الغضب، الشراهة، الكسل، الشهوة، الطمع، الفخر. المشاعر السبعة للبشر، حينما قرر توزيعهم و الحصول على حياة مُنزهة من الزلل، باتت كل واحدة منهم نقطة ضعف فيه. فهو يخشى الهزيمة، يحتقر الآخرين لأنه موقن في قراره نفسه أنه الأصلح و الأقوى، يريد كل شيء و يفتخر بذلك. وُلِدَ في قارورة، خرج منها إلى العالم ثم إلى خارج العالم، انْتِهاءً بالحقيقة العدمية.. أفضل شبه-شخصية في العمل الفني كله..
- متزنة تمامًا ولا تجعل مجالًا للنقد، الانتقال الزمني الواسع النطاق و الضيق النطاق كانا على وتيرة متجانسة حيث أن تركيز المشاهد لم يحد عن المشاهد الرئيسية، بل و تمكن من تكوين صورة جديدة للعمل كله مع كل مشهد يمر..
- النسخة التي شاهدتها كانت النسخة الجديدة من العمل الفني الأصلي، فلذلك كان مستوى الرسم لائقًا، مناسبًا للصفات العامة للشخصيات، مُعبرًا بشكلٍ بارع عن عواطفهم التي انعكست على قسماتهم في مزيج خلّاب.
- موسيقي هذا العمل على وجه الخصوص تمتاز بالكلاسيكية الدرامية. فتجد أغلب المقطوعات تتلحف برداء الحزن و الكآبة. تنقلك من واقعك الذي قد تراه ورديًّا، إلى عوالم أخرى لا تجد فيها إلا ما يجعلك ترى الحياة بمنظار حقيقي يلائمها، منظار أسود..
*الخيميائي المعدني الكامل، من أبدع من شاهدت، سيظل في خُلدي و فؤادي طويلًا...
فلتصحبكم السلامة 😀
#Icarus ☀
#YOON 🌸
استمتعت بقراءة ما فوق العناصر التقييمية حقا وكوني على يقين أن ذاك هو سبب عشقي الشديد لهذا الأنمي ووضعه ضمن أفضل ما شاهدت ولم يستلم الأنمي اسم 'الكامل' عبثا البتة
ردحذفتقرير رائع..تابعي !